
ما هو التقدير الثلاثي (Optimistic, Most Likely, Pessimistic) وكيف يُستخدم في حساب الوقت المتوقع (PERT)؟
التقدير الثلاثي وحسابه في تقنية PERT
في عالم إدارة المشاريع، يُعد تقدير الوقت المستغرق لإتمام الأنشطة أحد أهم العناصر التي تؤثر في نجاح المشروع. فالتقدير الدقيق للمدة الزمنية لكل نشاط يساعد على وضع جدول زمني واقعي يمكن الالتزام به، ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتأخيرات. ومن أكثر الأساليب استخدامًا لتحقيق هذا الهدف هو التقدير الثلاثي (Triangular Estimation)، الذي يُعرف أيضًا باستخدام التقديرات المتفائلة (Optimistic) والمتوقعة على الأرجح (Most Likely) والمتشائمة (Pessimistic). ويتم بعد ذلك دمج هذه التقديرات لحساب الوقت المتوقع باستخدام طريقة PERT (Program Evaluation and Review Technique).
أولاً: تعريف التقدير الثلاثي
التقدير الثلاثي هو أسلوب لتقدير مدة الأنشطة يعتمد على أخذ ثلاثة تقديرات مختلفة لكل نشاط في المشروع، بهدف التعامل مع عدم اليقين والمخاطر التي قد تؤثر على الوقت المستغرق. هذه التقديرات هي:
- التقدير المتفائل (Optimistic – O):
 هذا التقدير يمثل أقل وقت يمكن أن يستغرقه النشاط في حالة سير العمل بسلاسة ودون أي معوقات. وعادةً ما يُفترض أن جميع الظروف ستكون مثالية، مثل توفر الموارد بالكامل، وعدم حدوث مشاكل تقنية أو إدارية.
- التقدير الأكثر احتمالاً (Most Likely – M):
 هذا التقدير يمثل السيناريو الأكثر توقعًا ويعكس الوقت الذي من المرجح أن يستغرقه النشاط في الظروف العادية. ويأخذ هذا التقدير في الاعتبار المشكلات المعتادة مثل التأخير البسيط في الموارد أو التحديات الطفيفة في التنفيذ.
- التقدير المتشائم (Pessimistic – P):
 هذا التقدير يمثل السيناريو الأسوأ الذي قد يحدث عند تنفيذ النشاط. ويأخذ في الحسبان جميع العقبات المحتملة مثل التأخيرات الكبيرة، أو مشاكل الجودة، أو نقص الموارد، أو أي عوامل قد تزيد من طول المدة بشكل ملحوظ.
باستخدام هذه الثلاثة تقديرات، يصبح لدى مدير المشروع رؤية أكثر دقة وشمولية للوقت الذي يمكن أن يستغرقه النشاط، بدلاً من الاعتماد على رقم وحيد قد يكون بعيدًا عن الواقع.
ثانياً: طريقة حساب الوقت المتوقع باستخدام PERT
تُعد طريقة PERT (Program Evaluation and Review Technique) واحدة من أشهر الأساليب في إدارة المشاريع لتقدير الوقت المتوقع للأنشطة باستخدام التقديرات الثلاثية. وتم تطوير هذه الطريقة أساسًا في مشاريع البحوث والتطوير في القوات البحرية الأمريكية، ولا تزال حتى اليوم من الأدوات الفعالة في التخطيط الزمني للمشاريع المعقدة.
صيغة حساب الوقت المتوقع (Expected Time – TE)
يتم حساب الوقت المتوقع لكل نشاط وفق المعادلة التالية:

حيث:
- = التقدير المتفائل 
- = التقدير الأكثر احتمالاً 
- = التقدير المتشائم 
- = الوقت المتوقع للنشاط 
توضح هذه المعادلة أن التقدير الأكثر احتمالاً له وزن أكبر من التقدير المتفائل أو المتشائم، حيث يتم ضربه في 4، بينما يتم أخذ التقديرات الأخرى مرة واحدة فقط. هذا يعكس أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو المرجح أن يحدث بالفعل.
مثال عملي
لنفترض أن لدينا نشاطًا يحتاج لإعداد تقرير، وتم تقدير أوقاته الثلاثة كما يلي:
- التقدير المتفائل: 3 أيام
- التقدير الأكثر احتمالًا: 5 أيام
- التقدير المتشائم: 9 أيام
باستخدام صيغة PERT نحسب الوقت المتوقع:

إذن، الوقت المتوقع لإكمال هذا النشاط هو حوالي 5.33 أيام.
ثالثاً: حساب الانحراف المعياري والتقلب
من أهم مميزات التقدير الثلاثي هو إمكانية حساب الانحراف المعياري (Standard Deviation – SD)، والذي يعكس مدى عدم اليقين أو المخاطر الزمنية المرتبطة بالنشاط. ويحسب الانحراف المعياري باستخدام المعادلة التالية:

حيث يمثل الفرق بين السيناريو الأسوأ والأفضل. باستخدام المثال السابق:

هذا يعني أن هناك احتمال أن يختلف الوقت الفعلي عن الوقت المتوقع بمقدار يوم واحد تقريبًا. ويمكن استخدام هذا الانحراف في تحليل الجدول الزمني للمشروع، وتقدير احتمالية الانتهاء في وقت معين باستخدام التوزيع الطبيعي.
رابعاً: مزايا التقدير الثلاثي في إدارة المشاريع
استخدام التقدير الثلاثي يقدم العديد من المزايا، منها:
- التعامل مع عدم اليقين:
 بدلاً من تقديم رقم ثابت، يوفر التقدير الثلاثي نطاقًا للمدة، مما يعكس الواقع العملي للمشاريع.
- دقة أعلى للجدول الزمني:
 استخدام التقديرات الثلاثة وصيغة PERT يعطي متوسطًا مرجحًا أكثر دقة من مجرد أخذ تقدير واحد.
- تقييم المخاطر الزمنية:
 الانحراف المعياري المرتبط بالتقدير الثلاثي يمكن أن يساعد في تحليل المخاطر الزمنية، وتحديد الأنشطة الحرجة التي قد تسبب تأخير المشروع.
- اتخاذ قرارات أفضل:
 معرفة السيناريوهات المتفائلة والمتشائمة تمكن الإدارة من التخطيط للطوارئ ووضع استراتيجيات لتقليل التأخيرات.
- مرونة أكبر:
 يمكن تعديل التقديرات الثلاثية بسهولة عند ظهور معلومات جديدة، مما يجعلها أداة ديناميكية لتحديث الجدول الزمني.
خامساً: تطبيقات عملية في المشاريع
يستخدم التقدير الثلاثي وPERT في مجموعة واسعة من المشاريع، خاصة تلك التي تتميز بدرجة عالية من التعقيد وعدم اليقين، مثل:
- مشاريع البناء والهندسة المدنية
- مشاريع تطوير البرمجيات والتقنية
- مشاريع البحث والتطوير (R&D)
- المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي تشمل عدة فرق وأقسام
كما يمكن دمجها مع أدوات أخرى مثل شبكة المسار الحرج (Critical Path Method – CPM) لتحديد الأنشطة التي يجب مراقبتها عن كثب لتجنب تأخير المشروع.
سادساً: خطوات عملية لاستخدام التقدير الثلاثي وPERT
لضمان الاستفادة الكاملة من هذه الطريقة، يمكن اتباع الخطوات التالية:
- تحديد جميع الأنشطة:
 إعداد قائمة شاملة بجميع أنشطة المشروع.
- جمع التقديرات الثلاثية:
 لكل نشاط، تحديد السيناريو المتفائل، الأكثر احتمالًا، والمتشائم.
- حساب الوقت المتوقع:
 استخدام معادلة PERT لحساب الوقت المتوقع لكل نشاط.
- حساب الانحراف المعياري:
 لتقدير مستوى عدم اليقين المرتبط بالمدة.
- رسم شبكة PERT:
 لتحديد تسلسل الأنشطة والعلاقات بين السلف والتابع.
- تحليل الجدول الزمني:
 تحديد المسار الحرج، وتقييم احتمالات الانتهاء في مواعيد محددة.
خاتمة
إن التقدير الثلاثي يعد من الأدوات الفعالة في إدارة الوقت في المشاريع، إذ يوفر طريقة واقعية ودقيقة للتعامل مع عدم اليقين، ويعطي لمديري المشاريع القدرة على التخطيط بمرونة وتحليل المخاطر الزمنية. عند دمجه مع تقنية PERT، يمكن التوصل إلى جدول زمني متوازن يعكس جميع السيناريوهات المحتملة، مما يزيد من فرص نجاح المشروع وتقليل التأخيرات المكلفة.
وباختصار، التقدير الثلاثي وPERT ليسا مجرد أدوات حسابية، بل هما منهجية علمية تساعد على تحويل الغموض إلى أرقام قابلة للإدارة والتخطيط، وهو ما يجعلها من أساسيات إدارة المشاريع الحديثة.

 
					

