
ما هي أهمية الدروس المستفادة (Lessons Learned) ومتى تُجمع؟
أهمية الدروس المستفادة (Lessons Learned) ومتى تُجمع
تُعدّ عملية استخلاص الدروس المستفادة (Lessons Learned) من أهم الأنشطة في إدارة المشاريع الحديثة، إذ تمثل مصدراً قيّماً للمعرفة التنظيمية، وأداة أساسية لتحسين الأداء المستقبلي وضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة. فالمشاريع ليست مجرد أنشطة تنتهي بتسليم منتج أو خدمة، بل هي أيضًا فرصة لبناء المعرفة وتطوير القدرات داخل المؤسسة. ومن هنا، تأتي أهمية توثيق الدروس المستفادة وتحليلها وتبادلها ضمن فرق العمل والمنظمات.
أولاً: مفهوم الدروس المستفادة
الدروس المستفادة هي المعارف والخبرات التي يتم اكتسابها خلال تنفيذ المشروع، سواء كانت إيجابية أو سلبية، بحيث يمكن استخدامها لتحسين أداء المشاريع المستقبلية. وتشمل هذه الدروس ما يتعلق بالتخطيط، والتنفيذ، والمخاطر، والجودة، والتواصل، والموارد، وأصحاب المصلحة، وغيرها من جوانب إدارة المشاريع.
بمعنى آخر، هي عملية منهجية تهدف إلى تحديد ما سار بشكل جيد في المشروع، وما لم يسر على النحو المطلوب، ولماذا. ومن ثم، تحويل هذه الخبرات إلى معرفة موثقة يمكن الاستفادة منها لاحقاً.
فهي ليست مجرد عملية نقد أو تقييم، بل هي نشاط تعلّمي جماعي يهدف إلى تعزيز التحسين المستمر.
ثانياً: أهداف جمع الدروس المستفادة
تُجمع الدروس المستفادة لتحقيق مجموعة من الأهداف التنظيمية والإدارية، من أبرزها:
- تحسين أداء المشاريع المستقبلية
 عبر الاستفادة من النجاحات السابقة وتجنّب تكرار الأخطاء. فكل مشروع يمثل فرصة تعليمية إذا ما استُغلت بالشكل الصحيح.
- تعزيز ثقافة التعلم المؤسسي (Organizational Learning)
 إن توثيق الدروس المستفادة ومشاركتها يعزز ثقافة التعلم المستمر داخل المؤسسة، ويجعل من المعرفة المكتسبة أصلًا تنظيميًا يساهم في رفع كفاءة المنظمة ككل.
- تحسين عمليات إدارة المشروع (Project Management Processes)
 من خلال تحليل الدروس المستفادة يمكن اكتشاف الثغرات في الإجراءات والسياسات المتبعة واقتراح تحسينات فعالة عليها.
- رفع مستوى النضج المؤسسي في إدارة المشاريع (Organizational Project Management Maturity)
 فكل درس مستفاد يُضاف إلى قاعدة المعرفة التنظيمية يسهم في رفع مستوى النضج الإداري للمؤسسة.
- تجنب الهدر المالي والزمني
 عندما تتكرر الأخطاء ذاتها في مشاريع متعددة، فإن المؤسسة تهدر مواردها. أما عبر تحليل الدروس السابقة، فيمكن منع هذه الخسائر وتحسين الكفاءة التشغيلية.
- تعزيز فعالية فرق العمل
 إذ يصبح الفريق أكثر استعداداً للتعامل مع المواقف المشابهة في المشاريع المستقبلية، مما يرفع من جودة القرارات ويزيد من الإنتاجية.
ثالثاً: متى تُجمع الدروس المستفادة؟
من الخطأ الاعتقاد بأن جمع الدروس المستفادة يتم فقط في نهاية المشروع. فوفقاً لأفضل الممارسات في إدارة المشاريع (كما ورد في منهجية PMI مثلاً)، فإن الدروس المستفادة تُجمع في مراحل متعددة من دورة حياة المشروع، وهي على النحو الآتي:
1. أثناء مرحلة التخطيط (Planning Phase)
في هذه المرحلة، يمكن جمع الدروس المستفادة من المشاريع السابقة المشابهة، وذلك للاستفادة منها في إعداد خطة المشروع الحالية.
على سبيل المثال، إذا واجهت المشاريع السابقة تأخراً بسبب ضعف في تقديرات الوقت، يمكن استخدام هذه المعرفة لتحسين تقديرات الجدول الزمني في المشروع الجديد.
تُعتبر هذه الخطوة جزءاً من التعلم المسبق (Pre-Lessons Learned)، حيث يتم توظيف الخبرات القديمة قبل بدء التنفيذ الفعلي.
2. أثناء التنفيذ (Execution Phase)
خلال تنفيذ المشروع، تظهر العديد من التحديات غير المتوقعة. هنا، من المهم أن يتم تسجيل الدروس أولاً بأول، وليس الانتظار حتى النهاية.
فمثلاً، إذا تم اكتشاف طريقة جديدة أكثر فعالية في التواصل مع أصحاب المصلحة، يجب توثيقها مباشرة كي لا تُنسى أو تُهمل.
وهذا الأسلوب يُعرف باسم Continuous Lessons Capture، أي الجمع المستمر للدروس أثناء العمل.
3. أثناء المراقبة والتحكم (Monitoring & Controlling Phase)
في هذه المرحلة، يتم تحليل أداء المشروع مقابل الخطة، مما يوفر فرصة مثالية لتحديد الدروس المرتبطة بالمراقبة والتحكم، مثل فعالية مؤشرات الأداء (KPIs)، أو مدى دقة تقارير التقدم، أو كيفية معالجة الانحرافات في الوقت أو التكلفة.
توثيق هذه الدروس يساعد على تحسين أنظمة الرقابة المستقبلية.
4. عند إغلاق المشروع أو المرحلة (Closing Phase)
تُعتبر هذه المرحلة الأهم لجمع الدروس المستفادة بشكل رسمي ومنهجي.
يُعقد في هذه المرحلة اجتماع مراجعة المشروع (Lessons Learned Meeting) بحضور مدير المشروع وفريقه وأصحاب المصلحة الرئيسيين، ويتم فيه مناقشة:
- ما الذي نجح بشكل جيد؟
- ما الذي لم ينجح؟
- ما الأسباب وراء النجاح أو الفشل؟
- ما التوصيات للمشاريع المستقبلية؟
يتم بعد ذلك توثيق النتائج في وثيقة رسمية تسمى تقرير الدروس المستفادة (Lessons Learned Report)، ويتم حفظها في قاعدة المعرفة المؤسسية (Organizational Process Assets) لتكون مرجعاً مستقبلياً.
رابعاً: مكونات تقرير الدروس المستفادة
عادة ما يحتوي تقرير الدروس المستفادة على العناصر التالية:
- مقدمة عامة عن المشروع
 توضح الهدف والنطاق والنتائج الرئيسية للمشروع.
- ملخص التحديات والمشكلات
 مع توضيح كيفية التعامل معها وما الدروس التي تم اكتسابها منها.
- نقاط النجاح
 تسلط الضوء على الممارسات التي كانت فعّالة ويمكن تكرارها.
- التوصيات المستقبلية
 وهي الجزء الأهم، إذ تشتمل على اقتراحات لتحسين الإجراءات والعمليات في المشاريع القادمة.
- الجهات المسؤولة عن تطبيق الدروس
 لتحديد من سيضمن أن يتم تحويل هذه الدروس إلى ممارسات مؤسسية حقيقية.
خامساً: أهمية مشاركة الدروس المستفادة
جمع الدروس لا يحقق الفائدة ما لم تُشارك مع المعنيين في المنظمة.
فالمعرفة المحصورة في أذهان الأفراد تُفقد بمجرد انتقالهم أو مغادرتهم المؤسسة.
من هنا، تُعد مشاركة الدروس المستفادة عملية أساسية ضمن إدارة المعرفة (Knowledge Management).
تشمل وسائل مشاركة الدروس المستفادة ما يلي:
- إنشاء قواعد بيانات إلكترونية متاحة لجميع مديري المشاريع.
- إقامة ورش عمل داخلية لمناقشة الخبرات المكتسبة.
- نشر نشرات معرفية دورية تحتوي على أهم الدروس من المشاريع المنجزة.
- دمج الدروس المستفادة في السياسات والإجراءات المؤسسية لضمان استدامة التعلم.
سادساً: التحديات التي تواجه عملية جمع الدروس المستفادة
رغم أهميتها، تواجه هذه العملية عدداً من التحديات، أبرزها:
- ضعف ثقافة التعلّم المؤسسي
 حيث لا يهتم بعض القادة أو الفرق بتوثيق المعرفة بسبب ضغط الوقت أو نقص الوعي بقيمتها.
- عدم وجود آلية رسمية لتجميع الدروس
 مما يؤدي إلى ضياع الكثير من الخبرات مع مرور الوقت.
- غياب المتابعة بعد التوثيق
 فالكثير من المؤسسات توثق الدروس لكنها لا تطبقها فعلياً، فتظل في ملفات لا تُفتح مجدداً.
- صعوبة القياس والتقييم
 حيث يصعب أحياناً تحديد أثر تطبيق الدروس المستفادة على نجاح المشاريع المستقبلية.
سابعاً: أفضل الممارسات في إدارة الدروس المستفادة
لضمان فاعلية هذه العملية، يُنصح باتباع الممارسات التالية:
- تعيين مسؤول رسمي عن إدارة المعرفة أو الدروس المستفادة داخل مكتب إدارة المشاريع (PMO).
- تضمين نشاط جمع الدروس في خطة إدارة المشروع منذ البداية كجزء أساسي وليس إضافياً.
- استخدام قوالب موحدة (Templates) لتوثيق الدروس لتسهيل المقارنة والمراجعة.
- التحفيز على المشاركة من خلال تقدير من يقدّمون دروساً قيّمة أو ابتكارات تحسينية.
- الربط بين الدروس والتدريب المستقبلي عبر إدخالها في برامج تطوير الكفاءات.
ثامناً: الخلاصة
تُعدّ الدروس المستفادة من الركائز الجوهرية في إدارة المشاريع الناجحة، لأنها تمثل ذاكرة المؤسسة وخبرة تراكمية تبنى عليها الإنجازات المستقبلية.
فهي ليست مجرد وثائق تُحفظ في الأرشيف، بل هي أداة استراتيجية تضمن التحسين المستمر وتزيد من نضج المنظمة في إدارة مشاريعها.
تُجمع الدروس المستفادة في جميع مراحل المشروع، بدءاً من التخطيط، مروراً بالتنفيذ والمراقبة، وصولاً إلى الإغلاق النهائي، لتضمن أن كل تجربة – سواء كانت ناجحة أو صعبة – تتحول إلى قيمة معرفية حقيقية.
وعندما تُدار هذه العملية بجدّية، تصبح المؤسسة أكثر قدرة على الابتكار، وأقل عرضة لتكرار الأخطاء، وأكثر كفاءة في استخدام مواردها.
في النهاية، يمكن القول إن المؤسسة التي تتعلم من تجاربها، لا تكرر أخطاءها بل تكرر نجاحاتها، وهذه هي الغاية الحقيقية من جمع وتطبيق الدروس المستفادة في إدارة المشاريع.

 
					

