
ما هي الفرق بين “المخاطر الكلية (Overall Risk)” و “المخاطر الخاصة (Specific Risks)”؟
الفرق بين المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة: فهم أبعاد إدارة المخاطر
في عالم إدارة المشاريع والمالية والاستثمار، يُعد مفهوم المخاطر أحد الركائز الأساسية التي تؤثر على قرارات الأفراد والمؤسسات على حد سواء. ومن بين التصنيفات الشائعة للمخاطر نجد مصطلحي “المخاطر الكلية” و”المخاطر الخاصة”، وهما مفهومان مرتبطان ولكنهما يختلفان جوهرياً من حيث طبيعة التأثير، وطريقة القياس، والاستراتيجيات المعتمدة لإدارتها والتعامل معها. في هذا المقال، سنتناول شرحاً مفصلاً لكل من المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة، ونسلّط الضوء على الفروق الجوهرية بينهما، وأهمية فهم كل منهما لتحقيق إدارة فعّالة للمخاطر.
أولاً: تعريف المخاطر الكلية (Overall Risk)
المخاطر الكلية، والتي يُطلق عليها أحياناً المخاطر السوقية أو النظامية، هي تلك المخاطر التي تؤثر على السوق أو الاقتصاد ككل، أو على قطاع واسع من الأصول والأنشطة الاقتصادية. بمعنى آخر، هي المخاطر التي لا يمكن للفرد أو المؤسسة السيطرة عليها أو تفاديها بشكل كامل لأنها نابعة من عوامل خارجية عامة، مثل التغيرات الاقتصادية الكلية، والسياسات الحكومية، والتقلبات السياسية، والأزمات المالية العالمية، والكوارث الطبيعية الكبرى.
تتميز المخاطر الكلية بعدة خصائص رئيسية:
- شموليتها: فهي تؤثر على غالبية الأصول أو المشاريع في السوق بشكل متزامن.
- عدم القابلية للتنويع: بمعنى أنه لا يمكن الحد منها عن طريق توزيع الاستثمارات أو المشاريع، فهي مرتبطة بالعوامل العامة التي تؤثر على جميع المشاركين في السوق.
- التأثير الكبير على القرارات الاستراتيجية: إذ إن المخاطر الكلية قد تغير توجهات الأسواق وتفرض على المؤسسات تعديل استراتيجياتها بالكامل لمواجهة التحديات المحتملة.
- مثال على المخاطر الكلية: التقلبات الحادة في أسعار النفط أو الذهب، التضخم أو الانكماش الاقتصادي، الأزمات السياسية أو النزاعات الدولية الكبرى.
يمكن القول إن فهم المخاطر الكلية يمثل عنصراً أساسياً لأي خطة لإدارة المخاطر، لأنها تشكل قاعدة التنبؤ بالظروف العامة التي ستؤثر على الاستثمارات والمشاريع.
ثانياً: تعريف المخاطر الخاصة (Specific Risks)
أما المخاطر الخاصة، والتي تعرف أحياناً بالمخاطر غير النظامية أو الفردية، فهي المخاطر التي تؤثر على مشروع أو استثمار معين أو على قطاع محدود دون أن تمتد تأثيراتها إلى السوق ككل. هذه المخاطر تنشأ عادة من عوامل داخلية أو متعلقة بكيان محدد، مثل سوء إدارة المشروع، الاعتماد على مورد وحيد، أخطاء بشرية، أو مشاكل تشغيلية وفنية.
تتميز المخاطر الخاصة بعدة صفات:
- محلية أو محدودة التأثير: فهي تؤثر على مشروع أو استثمار محدد دون أن تمتد إلى مشاريع أخرى أو السوق ككل.
- قابلة للتقليل أو التنويع: بمعنى أنه يمكن الحد منها عن طريق اتخاذ إجراءات احترازية، مثل توزيع الاستثمارات بين عدة أصول أو تنويع مصادر الإمداد، أو تحسين الإدارة التشغيلية.
- قابلة للتنبؤ وإدارة المخاطر الفردية: فالمخاطر الخاصة يمكن تحديدها بدقة أكبر وإعداد خطط طوارئ للتعامل معها.
- مثال على المخاطر الخاصة: تعطل آلة إنتاج رئيسية في مصنع معين، فسخ عقد مع مورد أساسي، أو فقدان موظف رئيسي يمتلك خبرة مهمة.
إدارة المخاطر الخاصة غالباً ما تكون أكثر سهولة مقارنة بالمخاطر الكلية لأنها تحت السيطرة جزئياً أو كلياً، وتتيح للمؤسسات أو الأفراد تطبيق استراتيجيات عملية للحد من تأثيرها أو التخلص منها.
ثالثاً: الفروقات الجوهرية بين المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة
يمكن تلخيص الفروق بين المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة في النقاط التالية:
| المعيار | المخاطر الكلية (Overall Risk) | المخاطر الخاصة (Specific Risks) | 
| التأثير | واسع وشامل، يؤثر على السوق أو الاقتصاد ككل | محدود، يؤثر على مشروع أو استثمار معين | 
| القابلية للتنويع | لا يمكن التنويع للتقليل منها | يمكن الحد منها من خلال التنويع | 
| التحكم والسيطرة | صعب التحكم أو تفاديها | يمكن إدارتها والتحكم فيها جزئياً أو كلياً | 
| أمثلة | الأزمات الاقتصادية، التضخم، الحروب العالمية | تعطل معدات، خطأ إداري، مشاكل إنتاجية محددة | 
| الاستراتيجيات المناسبة | التحوط المالي، التأمين، خطط الطوارئ العامة | تحسين العمليات، تنويع الاستثمارات، الصيانة الوقائية | 
رابعاً: العلاقة بين المخاطر الكلية والخاصة
على الرغم من الاختلافات الجوهرية، إلا أن المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة مترابطة بطريقة غير مباشرة. فكل مشروع أو استثمار يواجه مزيجاً من المخاطر الكلية والخاصة في نفس الوقت. على سبيل المثال، شركة تصنيع قد تواجه مخاطر خاصة تتعلق بتعطل خطوط الإنتاج أو مشاكل الموظفين، وفي نفس الوقت قد تواجه مخاطر كلية تتعلق بتغيرات أسعار المواد الخام عالمياً أو الركود الاقتصادي. بالتالي، فإن الإدارة المتكاملة للمخاطر تتطلب تقييم كلي للمخاطر (Total Risk Assessment) يشمل كل من المخاطر الكلية والخاصة معاً.
خامساً: استراتيجيات إدارة المخاطر لكل نوع
- استراتيجيات إدارة المخاطر الكلية:- التحوط المالي: استخدام أدوات مالية مثل العقود المستقبلية أو الخيارات للحد من المخاطر المتعلقة بتقلبات الأسعار.
 - تنويع الجغرافيا: الاستثمار في أسواق متعددة لتقليل الاعتماد على اقتصاد معين.
 - التخطيط الاستراتيجي: إعداد خطط مرنة لتغيير الاستراتيجيات حسب التغيرات الاقتصادية والسياسية.
 
- استراتيجيات إدارة المخاطر الخاصة:- التنويع الداخلي: توزيع الاستثمارات أو الموارد على مشاريع متعددة لتقليل الاعتماد على مشروع واحد.
 - تحسين الإدارة التشغيلية: تقليل الأخطاء البشرية والمخاطر التشغيلية من خلال التدريب وإجراءات الجودة.
 - التأمين على الأصول: حماية المشروع من الخسائر الناتجة عن حوادث محددة.
 
سادساً: أهمية التفريق بين المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة
فهم الفرق بين المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة أمر بالغ الأهمية لعدة أسباب:
- تخصيص الموارد بفعالية: يسمح التفريق بتحديد أولويات استخدام الموارد لتقليل المخاطر الأكثر تأثيراً.
- تحسين اتخاذ القرار: معرفة نوع المخاطر يمكن أن يساعد على اتخاذ قرارات استراتيجية مناسبة سواء للاستثمار أو لإدارة المشروع.
- تطبيق استراتيجيات مناسبة: كل نوع من المخاطر يحتاج إلى أدوات واستراتيجيات محددة، والتعميم قد يؤدي إلى فشل إدارة المخاطر.
- زيادة قدرة المؤسسة على الصمود: التفريق بين النوعين يزيد من قدرة المؤسسة على مواجهة الأزمات والتكيف مع التغيرات السوقية.
خاتمة
في الختام، يمكننا القول إن المخاطر الكلية والمخاطر الخاصة هما مكونان أساسيان لفهم أي بيئة اقتصادية أو استثمارية. المخاطر الكلية تشمل الأحداث التي تؤثر على السوق بأسره والتي يصعب التحكم فيها، بينما المخاطر الخاصة ترتبط بمشاريع أو استثمارات محددة ويمكن إدارتها والتحكم فيها. التفريق بين النوعين يمكن المؤسسات والمستثمرين من وضع خطط شاملة وفعّالة لإدارة المخاطر، والحد من التأثيرات السلبية المحتملة على الاستثمارات والأعمال. الإدارة الناجحة للمخاطر تتطلب معرفة دقيقة بكلا النوعين واستراتيجيات مناسبة لكل منهما لضمان الاستقرار المالي والنجاح المستدام على المدى الطويل.

 
					

