
ما هي عملية تخطيط التواصل (Communications Planning) وماذا تتضمن؟
تُعد عملية تخطيط التواصل (Communications Planning) من أهم العمليات في إدارة المشاريع الحديثة، إذ لا يمكن لأي مشروع أن يحقق أهدافه بنجاح من دون وجود تواصل فعّال ومنظّم بين جميع الأطراف المعنية. فالتواصل هو الجسر الذي يربط بين فرق العمل، والإدارة العليا، وأصحاب المصلحة (Stakeholders)، ويضمن أن المعلومات الصحيحة تصل إلى الأشخاص المناسبين في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.
إن عملية تخطيط التواصل هي جزء أساسي من إدارة الاتصالات في المشروع (Project Communications Management) وفقًا لدليل PMBOK الصادر عن معهد إدارة المشاريع (PMI). وتُنفَّذ هذه العملية خلال مرحلة التخطيط، وتهدف إلى تطوير خطة لإدارة التواصل تحدد كيفية جمع المعلومات، وتوزيعها، وتخزينها، وتتبعها، وضمان تدفقها بكفاءة طوال دورة حياة المشروع.
أولاً: تعريف عملية تخطيط التواصل
يمكن تعريف عملية تخطيط التواصل بأنها:
“العملية التي يتم من خلالها تحديد احتياجات أصحاب المصلحة من المعلومات، ووضع استراتيجية واضحة لكيفية التواصل معهم، بما يشمل نوع المعلومات المطلوبة، وتواتر إرسالها، والوسائل المستخدمة، والمسؤوليات المتعلقة بإعدادها وتوزيعها”.
بمعنى آخر، تهدف هذه العملية إلى تأسيس نظام اتصال منظم داخل المشروع يُسهم في تقليل سوء الفهم، وتجنب الازدواجية، وحل المشكلات بسرعة، وضمان الشفافية في تدفق المعلومات.
ثانياً: أهمية عملية تخطيط التواصل
تُعد عملية تخطيط التواصل حجر الزاوية في نجاح أي مشروع، وذلك لعدة أسباب أساسية، منها:
- ضمان وضوح الأهداف والتوقعات:
تساعد هذه العملية على نقل رؤية المشروع وأهدافه لجميع الأعضاء، بحيث يدرك كل فرد دوره ومسؤولياته ومتطلبات العمل بدقة. - تحسين التنسيق بين الفرق:
من خلال وضع قنوات تواصل محددة وواضحة، يسهل التنسيق بين الفرق المختلفة، خصوصًا في المشاريع الكبيرة أو متعددة الأطراف. - تعزيز الثقة مع أصحاب المصلحة:
عندما يتم التواصل بانتظام وبأسلوب احترافي، يشعر أصحاب المصلحة بالاطمئنان حيال سير المشروع، مما يزيد من ثقتهم بالفريق الإداري. - تقليل المخاطر وسوء الفهم:
التواصل غير الفعّال هو أحد أكبر أسباب فشل المشاريع. لذا فإن تخطيط التواصل يقلل من احتمالية سوء الفهم أو تضارب المعلومات. - توفير الوقت والجهد:
وجود خطة واضحة للتواصل يُجنب الفرق الارتباك ويقلل الحاجة للاجتماعات العشوائية أو تبادل الرسائل المتكررة.
ثالثاً: مخرجات عملية تخطيط التواصل
المخرج الرئيسي لهذه العملية هو خطة إدارة التواصل (Communications Management Plan)، وهي وثيقة تفصيلية تحدد جميع الجوانب المتعلقة بكيفية إدارة التواصل داخل المشروع. تشمل هذه الخطة عادةً ما يلي:
- أهداف التواصل:
توضح سبب وأهمية كل نوع من أنواع التواصل، مثل تقارير الأداء، أو اجتماعات التقدم، أو تقارير المخاطر. - المستلمين (أصحاب المصلحة):
تحديد جميع الأطراف المعنية التي تحتاج إلى معلومات من المشروع، مع بيان طبيعة المعلومات التي يحتاجها كل طرف. - أنواع المعلومات المطلوبة:
مثل التقارير الأسبوعية، أو تحديثات الجدول الزمني، أو تقارير المخاطر، أو النتائج المالية. - قنوات التواصل:
تحديد الوسائل المستخدمة لنقل المعلومات، سواء كانت عبر البريد الإلكتروني، أو الاجتماعات، أو المنصات الرقمية، أو التقارير المطبوعة. - تواتر التواصل:
أي تحديد مواعيد التواصل الدورية (يومي، أسبوعي، شهري)، بما يتناسب مع نوع المعلومات وأهميتها. - الجهات المسؤولة:
تحديد من هو المسؤول عن إعداد، ومراجعة، وإرسال كل نوع من أنواع المعلومات. - التقنيات والأدوات المستخدمة:
مثل برامج إدارة المشاريع (Asana, Trello, MS Project)، أو أدوات التواصل (Microsoft Teams, Slack). - إدارة المعلومات السرّية:
تحديد مستوى السرية للمعلومات، وكيفية حمايتها وتخزينها. - طرق القياس والمتابعة:
تحديد كيف سيتم تقييم فعالية التواصل ومدى رضا أصحاب المصلحة عن جودة المعلومات المقدمة.
رابعاً: مدخلات عملية تخطيط التواصل
حتى يتم إعداد خطة تواصل فعّالة، هناك مجموعة من المدخلات الأساسية التي يجب تحليلها، وهي:
- خطة إدارة المشروع الشاملة (Project Management Plan):
تحتوي على تفاصيل المشروع وأهدافه وهيكل إدارته، مما يساعد على مواءمة خطة التواصل مع باقي خطط المشروع. - سجل أصحاب المصلحة (Stakeholder Register):
وهو من أهم المدخلات، إذ يحتوي على معلومات مفصلة عن كل صاحب مصلحة، مثل اهتماماته، واحتياجاته من المعلومات، ومستوى تأثيره في المشروع. - عوامل بيئية للمؤسسة (Enterprise Environmental Factors):
مثل ثقافة المؤسسة، وهيكلها التنظيمي، وسياسات التواصل المعتمدة فيها. - الأصول التنظيمية (Organizational Process Assets):
وتشمل القوالب الجاهزة، والسياسات السابقة، ودروس المشاريع السابقة المتعلقة بالتواصل.
خامساً: الأدوات والتقنيات المستخدمة في عملية تخطيط التواصل
توجد عدة أدوات وتقنيات تساعد مدير المشروع على تصميم خطة تواصل دقيقة، ومن أبرزها:
- تحليل متطلبات التواصل (Communication Requirements Analysis):
تهدف هذه التقنية إلى تحديد كمية المعلومات ونوعها المطلوبة من قبل كل طرف، مع مراعاة حجم المشروع وتعقيده. - نماذج التواصل (Communication Models):
تُستخدم لشرح كيفية انتقال المعلومات من المرسل إلى المستقبل، والعوامل التي قد تؤثر على فهمها، مثل اللغة أو البيئة الثقافية. - تقنيات التواصل (Communication Methods):
وتشمل الطرق الثلاثة الأساسية:- التواصل التفاعلي (Interactive): مثل الاجتماعات والمكالمات.
- التواصل غير التفاعلي (Push): مثل الرسائل الإلكترونية أو النشرات.
- التواصل الاسترجاعي (Pull): مثل قواعد البيانات التي يطّلع عليها المستخدم عند الحاجة.
- تحليل أصحاب المصلحة (Stakeholder Analysis):
لتحديد استراتيجيات التواصل المناسبة لكل مجموعة وفقًا لمستوى تأثيرها واهتمامها بالمشروع. - الاجتماعات (Meetings):
تُستخدم لتبادل الأفكار ومراجعة خطة التواصل واعتمادها رسميًا.
سادساً: مخرجات وأثر تنفيذ خطة التواصل
عندما يتم إعداد خطة التواصل وتطبيقها بشكل فعّال، تظهر العديد من النتائج الإيجابية في سير المشروع، منها:
- تحسين أداء الفريق:
بفضل وضوح المعلومات وانسيابية تبادلها، يعمل الفريق بروح واحدة وهدف مشترك. - تسريع اتخاذ القرار:
لأن المعلومات المطلوبة تكون متاحة في الوقت المناسب، مما يقلل من التأخير الناتج عن غياب البيانات. - تعزيز الشفافية والمساءلة:
كل عضو في المشروع يعرف ما هو مطلوب منه ومتى، مما يقلل الأخطاء وسوء الفهم. - زيادة رضا أصحاب المصلحة:
حيث يشعرون أنهم جزء من المشروع ويتم إشراكهم بانتظام في المستجدات. - تحسين سمعة المؤسسة:
التواصل المهني يعكس صورة احترافية تعزز الثقة في قدرات فريق إدارة المشروع.
سابعاً: التحديات التي قد تواجه عملية تخطيط التواصل
رغم أهميتها، قد تواجه هذه العملية بعض التحديات، مثل:
- تعدد أصحاب المصلحة وتنوع احتياجاتهم:
مما يصعّب توحيد أسلوب التواصل معهم جميعًا. - الاختلافات الثقافية واللغوية:
خصوصًا في المشاريع الدولية أو متعددة الجنسيات. - الاستخدام الزائد أو الناقص للتواصل:
الإفراط في إرسال المعلومات قد يسبب تشتيتًا، بينما قلّتها قد تسبب نقصًا في الفهم. - تغير احتياجات المشروع:
ما يتطلب تحديث خطة التواصل بشكل مستمر لتواكب التغييرات.
ثامناً: نصائح لضمان نجاح تخطيط التواصل
- إشراك جميع أصحاب المصلحة في إعداد الخطة.
- تحديث الخطة دوريًا عند حدوث تغييرات في المشروع.
- استخدام التكنولوجيا الحديثة لتسهيل تبادل المعلومات.
- مراعاة لغة التواصل ونبرة الخطاب وفقًا للجمهور المستهدف.
- قياس فعالية التواصل عبر استبيانات أو مؤشرات أداء.
تاسعاً: خلاصة
إن عملية تخطيط التواصل ليست مجرد خطوة شكلية ضمن إدارة المشروع، بل هي عملية استراتيجية تحدد مدى نجاح المشروع في تحقيق أهدافه. فالمشروعات لا تفشل عادة بسبب نقص الموارد أو المهارات، بل غالبًا بسبب ضعف التواصل وسوء إدارة المعلومات.
إن وضع خطة تواصل واضحة، شاملة، ومرنة يُعد استثمارًا في نجاح المشروع واستدامته، لأنه يضمن أن كل فرد في الفريق يسير على نفس المسار، وأن جميع أصحاب المصلحة يشعرون بالاطمئنان والثقة تجاه سير العمل.
وباختصار، يمكن القول إن التواصل الفعّال هو القلب النابض لأي مشروع ناجح، وتخطيط هذا التواصل بعناية هو ما يضمن استمرار هذا القلب في النبض بقوة ووضوح حتى نهاية المشروع.



