
متى تستخدم الميزانية الاحتياطية (Contingency Reserves) ومتى تستخدم إدارة الاحتياطيات (Management Reserves)؟
تُعد إدارة الاحتياطيات أحد أهم الجوانب في إدارة المشاريع الاحترافية، إذ تسهم في حماية المشروع من المفاجآت غير المتوقعة التي قد تؤثر على التكلفة أو الجدول الزمني أو جودة المخرجات. ومن الأدوات الرئيسة المستخدمة في هذا المجال الميزانية الاحتياطية (Contingency Reserves) واحتياطي الإدارة (Management Reserves).
ورغم أن المصطلحين يُستخدمان أحياناً بشكل متقارب في الحياة العملية، فإنهما في منهجيات إدارة المشاريع، خصوصاً وفق دليل PMBOK الصادر عن معهد إدارة المشاريع (PMI)، يختلفان في الهدف، وطريقة التقدير، والجهة المسؤولة عن استخدامهما، وحتى في التوقيت الذي يُسمح فيه باللجوء إليهما.
في هذا المقال سنتناول الفرق بين الميزانية الاحتياطية واحتياطي الإدارة، وسنوضح بالتفصيل متى يتم استخدام كل منهما، ولماذا من المهم الفصل بينهما في الخطة المالية للمشروع.
أولاً: مفهوم الميزانية الاحتياطية (Contingency Reserves)
الميزانية الاحتياطية هي مبلغ مالي أو وقت إضافي يُدرج ضمن خطة المشروع لمواجهة المخاطر المعروفة Unknowns Known، أي المخاطر التي تم تحديدها مسبقاً أثناء عملية تحليل المخاطر، ولكن لا يُعرف إن كانت ستحدث فعلاً أم لا.
بمعنى آخر، هي احتياطي مخصص للتعامل مع المخاطر المحددة والمعروفة مسبقاً مثل تأخر الموردين، أو زيادة طفيفة في أسعار المواد، أو أخطاء بشرية محتملة أثناء التنفيذ.
تُعتبر هذه الميزانية جزءاً من خطة خط الأساس للأداء (Performance Baseline)، أي أنها تُضاف إلى ميزانية المشروع الرسمية، ويمكن لمدير المشروع استخدامها دون الحاجة إلى موافقة الإدارة العليا، طالما أن استخدامها مبرر ضمن حدود المخاطر المحددة في خطة إدارة المخاطر.
ثانياً: مفهوم إدارة الاحتياطيات (Management Reserves)
أما احتياطي الإدارة (Management Reserves) فهو مبلغ إضافي يتم تخصيصه للتعامل مع المخاطر غير المعروفة Unknown Unknowns، أي الأحداث أو الظروف غير المتوقعة إطلاقاً، والتي لم يتم تحديدها أو تحليلها خلال عملية تخطيط المخاطر.
يتعلق هذا النوع من الاحتياطيات عادة بالأحداث الكبرى أو الاستثنائية التي قد تقع خارج نطاق التخطيط، مثل تغييرات مفاجئة في القوانين، أو كوارث طبيعية، أو تغييرات جذرية في متطلبات العميل بعد بدء المشروع.
لا تُدرج هذه الاحتياطيات ضمن خط الأساس للأداء، بل تُضاف إلى الميزانية الإجمالية للمشروع.
وبالتالي، لا يستطيع مدير المشروع التصرف فيها مباشرة، بل يجب عليه طلب موافقة الإدارة العليا أو الجهة الممولة للمشروع قبل استخدامها.
ثالثاً: الفرق الجوهري بين النوعين
| المقارنة | الميزانية الاحتياطية (Contingency Reserves) | إدارة الاحتياطيات (Management Reserves) |
| الغرض | التعامل مع المخاطر المعروفة والمحددة مسبقاً | التعامل مع المخاطر غير المعروفة وغير المتوقعة |
| التحليل المسبق | يتم تحديدها بناءً على نتائج تحليل المخاطر | لا يمكن تحديدها مسبقاً بناءً على تحليل المخاطر |
| الجهة التي تتحكم بها | مدير المشروع | الإدارة العليا أو راعي المشروع |
| إدراجها في الخطط | جزء من خطة خط الأساس (Baseline) | تُضاف خارج الخط الأساس ضمن الميزانية الإجمالية |
| متى تستخدم | عند تحقق أحد المخاطر المحددة في خطة المشروع | عند حدوث موقف غير متوقع لم يكن في خطة المخاطر |
| طريقة الحساب | تعتمد على تحليل الاحتمالية والأثر للمخاطر | عادة تكون نسبة مئوية من إجمالي الميزانية أو تقدير إداري عام |
رابعاً: متى تستخدم الميزانية الاحتياطية (Contingency Reserves)؟
تُستخدم الميزانية الاحتياطية في المواقف التي تم تحديدها مسبقاً كاحتمالات محتملة ضمن خطة المخاطر.
وفيما يلي بعض الأمثلة الواقعية على حالات استخدامها:
- تأخر المورد في تسليم المواد
إذا تم تحديد هذا الخطر مسبقاً بنسبة احتمال 30% وتأثير مالي قدره 20,000 ريال، فيمكن لمدير المشروع استخدام جزء من الميزانية الاحتياطية لتغطية تكاليف البدائل السريعة أو التوريد العاجل. - زيادة أسعار المواد أو الخدمات
عندما تكون هناك احتمالية ارتفاع أسعار مواد البناء بنسبة معينة، تُضاف تكلفة احتياطية في الميزانية لمواجهة هذه الزيادة إن حدثت فعلاً. - أخطاء بشرية أثناء التنفيذ
مثلاً: إعادة تنفيذ بعض الأعمال نتيجة خطأ فني تم تحديد احتماليته مسبقاً. - ظروف مناخية متوقعة
مثل الأمطار الموسمية أو ارتفاع درجات الحرارة التي قد تؤثر على سرعة الإنجاز.
إذن، تُستخدم الميزانية الاحتياطية عند وقوع حدث تمت دراسته وتقدير أثره مسبقاً.
ويجب على مدير المشروع توثيق استخدام هذه الاحتياطيات بشكل دقيق في سجلات المخاطر، لتتم مراجعتها لاحقاً أثناء التقييم النهائي.
خامساً: متى تستخدم إدارة الاحتياطيات (Management Reserves)؟
أما احتياطي الإدارة فيُستخدم فقط في حال وقوع أحداث غير متوقعة إطلاقاً، أي تلك التي لم يتم إدراجها في أي من تحليلات المخاطر.
أمثلة على ذلك:
- تغيير تشريعي مفاجئ يؤثر على تنفيذ المشروع، مثل فرض ضرائب جديدة أو إلغاء تراخيص معينة.
- كوارث طبيعية أو أزمات سياسية تؤدي إلى توقف العمل مؤقتاً أو تغيير مواقع التنفيذ.
- تغيير جوهري في متطلبات العميل بعد توقيع العقد وتنفيذ جزء كبير من المشروع.
- فشل غير متوقع في نظام أساسي لم يكن من الممكن التنبؤ به أثناء التخطيط.
في هذه الحالات، لا يمكن لمدير المشروع استخدام الميزانية الاحتياطية لأنها لم تُخصص لهذه الأنواع من المخاطر، بل يجب عليه تقديم طلب رسمي إلى الإدارة أو راعي المشروع لاستخدام جزء من احتياطي الإدارة.
سادساً: العلاقة بين النوعين في دورة حياة المشروع
يمكن النظر إلى العلاقة بين الميزانية الاحتياطية واحتياطي الإدارة على أنها علاقة تكاملية.
فكلاهما يشكلان درع حماية مالي للمشروع، لكنهما يختلفان في مستوى التحكم والمخاطر المستهدفة.
في مراحل التخطيط، يتم تحديد الميزانية الاحتياطية بناءً على تحليل المخاطر الكمي والنوعي.
أما احتياطي الإدارة فيتم تحديده بناءً على تقدير الإدارة العليا، وغالباً كنسبة مئوية من إجمالي الميزانية (مثلاً 5% أو 10%).
وفي مراحل التنفيذ والمراقبة، يتم استخدام الميزانية الاحتياطية عند تحقق المخاطر المعروفة، أما احتياطي الإدارة فلا يُستخدم إلا بعد الحصول على موافقة رسمية، ويُضاف المبلغ المستخدم منه إلى خط الأساس بعد الموافقة، ليصبح جزءاً من الميزانية الرسمية للمشروع.
سابعاً: أفضل الممارسات في إدارة الاحتياطيات
لضمان الاستخدام الفعّال لكل نوع من الاحتياطيات، يُوصى باتباع مجموعة من الممارسات الاحترافية، منها:
- توثيق جميع المخاطر المحتملة بدقة
فكل خطر محدد يجب أن يكون له تقدير مالي ووقت محدد في الميزانية الاحتياطية. - الفصل الواضح بين النوعين في الخطة المالية
يجب أن تكون الميزانية الاحتياطية جزءاً من خطة الأداء، بينما يُذكر احتياطي الإدارة في قسم منفصل ضمن الميزانية الكلية. - استخدام الاحتياطيات بناءً على مبررات موضوعية
لا يجوز استخدام أي من الاحتياطيات إلا بعد تحقق الموقف المحدد (في حالة الميزانية الاحتياطية)، أو بعد الموافقة الإدارية (في حالة احتياطي الإدارة). - تحديث الاحتياطيات خلال دورة المشروع
بعد كل مراجعة للمخاطر، يمكن تقليل أو زيادة الميزانية الاحتياطية بناءً على تغير احتمالية المخاطر. - الشفافية في التقارير المالية
يجب توضيح في التقارير الشهرية مقدار ما تم استخدامه من كل احتياطي وسبب استخدامه. - تحليل ما بعد المشروع (Post Project Review)
من المفيد مراجعة كيفية استخدام الاحتياطيات لتطوير دقة التقديرات في المشاريع المستقبلية.
ثامناً: خطأ شائع في إدارة المشاريع
من الأخطاء المتكررة أن يقوم بعض مديري المشاريع باستخدام احتياطي الإدارة لتغطية المخاطر المعروفة، وهذا خطأ إداري واضح.
فإذا كانت المخاطر محددة مسبقاً، فمكانها الطبيعي هو الميزانية الاحتياطية.
استخدام احتياطي الإدارة دون مبرر يعكس ضعفاً في عملية التخطيط للمخاطر وقد يؤدي إلى فقدان الثقة بين إدارة المشروع والإدارة العليا.
تاسعاً: مثال تطبيقي للتوضيح
لنفترض أن شركة تقوم ببناء مجمع تجاري، والتكلفة الإجمالية المقدّرة للمشروع هي 10 ملايين ريال.
- خلال مرحلة التخطيط، تم تحديد مجموعة من المخاطر، وبعد التحليل تم تخصيص 500 ألف ريال كميزانية احتياطية (Contingency Reserves) لمواجهة مخاطر محددة مثل تأخر الموردين أو تلف بعض المواد.
- كما قررت الإدارة العليا إضافة مليون ريال كاحتياطي إدارة (Management Reserve) لمواجهة أحداث غير متوقعة.
خلال التنفيذ:
- حدث تأخر بسيط في التوريد، فقام مدير المشروع باستخدام 100 ألف ريال من الميزانية الاحتياطية لمعالجة الموقف.
- بعد ستة أشهر، صدر قرار حكومي يفرض رسوم جديدة على المواد المستوردة، ما زاد التكلفة الكلية بمقدار 400 ألف ريال.
في هذه الحالة، يرفع مدير المشروع طلباً لاستخدام جزء من احتياطي الإدارة لتغطية هذه الزيادة لأنها لم تكن ضمن المخاطر المحددة مسبقاً.
عاشراً: الخلاصة
إن التمييز بين الميزانية الاحتياطية واحتياطي الإدارة ليس مجرد تفصيل مالي، بل هو عنصر جوهري من عناصر الحوكمة والانضباط المالي في إدارة المشاريع.
فالأولى تُعالج المخاطر المتوقعة والمحددة مسبقاً، وتُدار على مستوى مدير المشروع،
بينما الثانية تُعالج المفاجآت غير المتوقعة وتُدار على مستوى الإدارة العليا.
يضمن هذا الفصل الوضوح في الصلاحيات، والدقة في التقارير، والقدرة على التحكم في التكاليف بشكل احترافي.
وفي النهاية، المشاريع الناجحة ليست تلك التي لا تواجه مخاطر، بل تلك التي تستعد لها وتتعامل معها بحكمة وانضباط عبر استخدام الاحتياطيات المناسبة في الوقت المناسب.



