
ما هي تقنية Variance Analysis ومتى تُستخدم؟
في إدارة المشاريع ومجالات التحليل المالي والرقابة الإدارية، تُعد تقنية تحليل الانحراف (Variance Analysis) من الأدوات الجوهرية التي يعتمد عليها المديرون لتقييم الأداء، وفهم الفروق بين ما كان مخططاً وما تحقق فعلياً. هذه التقنية لا تقتصر على المشاريع فقط، بل تمتد لتشمل المحاسبة، والإنتاج، والتكاليف، والمبيعات، وكل مجال يُراد فيه معرفة سبب الاختلاف بين النتائج المتوقعة والنتائج الفعلية.
في هذا المقال سنقدّم شرحاً مفصّلاً لتقنية تحليل الانحراف (Variance Analysis)، ونتناول مفهومها، وأنواعها، وخطوات تطبيقها، وأهميتها في إدارة المشاريع، ثم نوضح متى تُستخدم هذه التقنية وكيف تساهم في تحسين الأداء واتخاذ القرارات الدقيقة.
أولاً: تعريف تقنية تحليل الانحراف (Variance Analysis)
تحليل الانحراف هو عملية مقارنة بين الأداء المخطط والأداء الفعلي من أجل تحديد الفروق (الانحرافات) وفهم أسبابها. يُقصد بالانحراف الفرق بين ما كان من المفترض أن يحدث وفقاً للخطة (Planned) وبين ما حدث فعلياً (Actual).
فعلى سبيل المثال، إذا كان من المخطط أن تبلغ تكلفة نشاطٍ معين 10,000 دولار، ولكن تم إنفاق 12,000 دولار فعلاً، فإن الانحراف في التكلفة هو 2,000 دولار. لكن التحليل لا يتوقف هنا؛ فجوهر التقنية هو تحديد سبب هذا الانحراف: هل بسبب سوء تقدير أولي؟ أم بسبب زيادة أسعار الموارد؟ أم بسبب تأخير أدى إلى ارتفاع التكلفة؟
وبالتالي، يمكن القول إن تحليل الانحراف ليس مجرد مقارنة بالأرقام، بل هو أداة تحليلية تساعد الإدارة على فهم الأداء واتخاذ الإجراءات التصحيحية المناسبة.
ثانياً: أهمية تحليل الانحراف
تنبع أهمية تحليل الانحراف من كونه أداة للرقابة الإدارية والتخطيط المستقبلي. ومن أبرز فوائده ما يلي:
- تقييم الأداء:
يساعد تحليل الانحراف على قياس مدى التزام الفرق أو الأقسام بتحقيق الأهداف المحددة، سواء في الوقت أو التكلفة أو الجودة. - اكتشاف المشكلات مبكراً:
من خلال رصد الانحرافات بشكل دوري، يمكن للإدارة اكتشاف المشكلات قبل تفاقمها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح المسار. - تحسين دقة التقديرات المستقبلية:
عندما تُعرف أسباب الانحرافات، يمكن تطوير منهجيات التقدير والتخطيط لتصبح أكثر دقة في المشاريع المستقبلية. - تحسين القرارات الإدارية:
بفضل التحليل الكمي للانحرافات، يمكن اتخاذ قرارات قائمة على بيانات واقعية بدلاً من التقديرات أو الحدس. - تحفيز العاملين:
يُستخدم تحليل الانحراف أحياناً كأداة لتقييم أداء الفرق والمكافأة على الإنجاز عند تحقيق نتائج أفضل من المخطط.
ثالثاً: أنواع الانحرافات في تحليل الانحراف
يمكن تصنيف الانحرافات إلى عدة أنواع بحسب المجال الذي تُطبق فيه التقنية، لكن في إدارة المشاريع غالباً ما تُستخدم ضمن إطار تحليل القيمة المكتسبة (Earned Value Analysis)، وتُقسم إلى ثلاث فئات رئيسية:
- انحراف التكلفة (Cost Variance – CV):
يقيس الفرق بين القيمة المكتسبة (EV) والتكلفة الفعلية (AC).
الصيغة:

إذا كانت النتيجة موجبة، فهذا يعني أن المشروع أقل تكلفة من المتوقع (أداء جيد)، أما إذا كانت سالبة، فالمشروع تجاوز الميزانية.
- انحراف الجدول الزمني (Schedule Variance – SV):
يقيس الفرق بين القيمة المكتسبة (EV) والقيمة المخططة (PV).
الصيغة:

إذا كانت موجبة، فهذا يعني أن المشروع متقدم عن الجدول، وإذا كانت سالبة فهو متأخر.
- انحراف الجودة أو الأداء:
يقيس الفرق بين مستوى الجودة المخطط والمتحقق فعلياً، وغالباً ما يُقاس عبر مؤشرات جودة محددة كعدد العيوب أو معدلات الفشل.
وفي المحاسبة الإدارية، يمكن أيضاً التحدث عن أنواع أخرى من الانحرافات مثل:
- انحراف المواد الخام (Material Variance)
- انحراف العمالة (Labor Variance)
- انحراف المصروفات العامة (Overhead Variance)
وكل نوع من هذه الانحرافات يهدف إلى تحليل التكاليف الفعلية مقارنة بالمخططة لكل عنصر من عناصر التكلفة.
رابعاً: خطوات تنفيذ تحليل الانحراف
لضمان فعالية التقنية، يتم اتباع منهجية واضحة تتكون من خمس مراحل رئيسية:
- تحديد المعايير (Standards):
في البداية، يجب تحديد القيم أو الأهداف المخطط لها مثل الميزانية، أو الوقت المخصص لكل نشاط، أو معدل الإنتاج المستهدف. - جمع البيانات الفعلية (Actual Data):
بعد تنفيذ العمل، تُجمع البيانات الواقعية حول الأداء والتكاليف الفعلية، والوقت المستغرق، ومستوى الإنجاز. - حساب الانحرافات (Variance Calculation):
يتم حساب الفرق بين القيم المخططة والفعلية وفقاً للمعادلات المناسبة لكل نوع من الانحرافات. - تحليل الأسباب (Cause Analysis):
بعد معرفة مقدار الانحراف، تأتي الخطوة الأهم وهي فهم “لماذا حدث؟”
قد تكون الأسباب داخلية مثل ضعف الكفاءة أو سوء إدارة الوقت، أو خارجية مثل تغيّر أسعار المواد أو ظروف السوق. - اتخاذ الإجراءات التصحيحية (Corrective Actions):
في النهاية، يتم استخدام نتائج التحليل لوضع خطة تصحيحية أو وقائية لتحسين الأداء في المستقبل.
خامساً: متى تُستخدم تقنية تحليل الانحراف؟
تُستخدم هذه التقنية في مواقف متعددة، ويمكن القول إنها تُطبّق كلما وُجدت خطة مسبقة ونتائج فعلية قابلة للمقارنة. ومن أبرز الحالات التي تُستخدم فيها:
- في إدارة المشاريع:
عند مقارنة الأداء الفعلي بالجدول الزمني والميزانية المخططة لمعرفة مدى التقدّم والانضباط المالي. - في المحاسبة الإدارية:
تُستخدم لمقارنة التكاليف القياسية بالتكاليف الفعلية لتحديد مدى كفاءة التشغيل والسيطرة على المصروفات. - في الإنتاج والتصنيع:
لتحليل الفروق بين كميات الإنتاج الفعلية والمخططة، أو بين كلفة المواد المخططة والمستخدمة فعلاً. - في التحليل المالي:
عند إعداد تقارير الأداء المالي الشهرية أو السنوية لتقييم الانحراف بين الإيرادات المتوقعة والمحققة. - في تقييم الأداء المؤسسي:
لتقييم مدى التزام الإدارات بتحقيق الأهداف الاستراتيجية والميزانيات المخصصة لها.
باختصار، تُستخدم هذه التقنية في أي موقف يتطلب فهم الفروقات بين “ما كان يجب أن يحدث” و “ما حدث فعلاً” مع تحديد الأسباب والعوامل المؤثرة في تلك الفروقات.
سادساً: أمثلة تطبيقية على تحليل الانحراف
المثال الأول: مشروع بناء
خُطِّط أن تُنفّذ مرحلة الأساسات في 30 يوماً بكلفة 100,000 ريال، ولكن فعلياً استغرقت 40 يوماً وكلفت 120,000 ريال.
إذن:
- الانحراف الزمني = -10 أيام (تأخير)
- الانحراف في التكلفة = -20,000 ريال (تجاوز الميزانية)
تحليل السبب قد يكشف أن التأخير نتج عن تأخّر توريد المواد، مما أدى إلى زيادة في أجور العمال. وبالتالي، يتم اتخاذ إجراءات مستقبلية مثل توقيع عقود توريد مبكرة أو استخدام موردين بديلين.
المثال الثاني: في المحاسبة الإدارية
كان من المتوقع أن تبلغ تكلفة المواد الخام شهرياً 50,000 ريال، ولكنها بلغت فعلياً 45,000 ريال.
الانحراف هنا موجب بمقدار 5,000 ريال، أي أن الأداء أفضل من المتوقع، وربما كان السبب في ذلك هو حصول الشركة على خصم من الموردين.
سابعاً: العلاقة بين تحليل الانحراف والتحسين المستمر
يُعد تحليل الانحراف جزءاً أساسياً من دورة التحسين المستمر (Continuous Improvement Cycle)، إذ يوفّر التغذية الراجعة الضرورية لتطوير الخطط المستقبلية وتحسين الكفاءة التشغيلية.
فمن خلال مراجعة الانحرافات السابقة وأسبابها، يمكن للمؤسسة تعزيز قدراتها في التقدير والتخطيط، وتقليل المخاطر المحتملة، وتحقيق نتائج أفضل بمرور الوقت.
ثامناً: التحديات المرتبطة بتحليل الانحراف
رغم أهميته الكبيرة، إلا أن تطبيق تحليل الانحراف يواجه بعض التحديات، من أبرزها:
- نقص دقة البيانات:
إذا كانت البيانات الفعلية أو المخططة غير دقيقة، فنتائج التحليل ستكون مضللة. - تأخير في التقارير:
في بعض المؤسسات، يتم إعداد التحليل بعد فترة طويلة من التنفيذ، مما يقلل من فعاليته في اتخاذ قرارات فورية. - تعدد العوامل المؤثرة:
أحياناً يكون من الصعب تحديد السبب الحقيقي للانحراف بسبب تداخل عدة عوامل في آنٍ واحد. - مقاومة التغيير:
قد ينظر بعض الموظفين إلى تحليل الانحراف كأداة للرقابة فقط، مما قد يخلق مقاومة داخلية بدلاً من اعتباره وسيلة للتطوير.
تاسعاً: الخلاصة
إن تحليل الانحراف (Variance Analysis) هو أكثر من مجرد عملية حسابية؛ إنه أداة استراتيجية للإدارة الذكية. فهو يكشف عن مدى التزام المؤسسة بخططها، ويوضح مكامن الخلل أو التميز، ويتيح للإدارة فرصة لتحسين القرارات المستقبلية على أساس بيانات دقيقة.
وعند استخدامه بانتظام ضمن منظومة إدارة الأداء، يصبح تحليل الانحراف وسيلة فعالة لتقليل الهدر، وتحسين الكفاءة، وزيادة الربحية، وتعزيز ثقافة التحسين المستمر داخل المؤسسة.
وباختصار، يمكن القول إن كل منظمة تطمح إلى التطور والاستدامة لا بد أن تجعل تحليل الانحراف جزءاً أساسياً من نظامها الرقابي والإداري.



